السبت، 25 أكتوبر 2008

إنسانية الواقع -- واقع إنساني

fu


الفكر حركة متنامية وفق صيرورة تاريخية متغيرة باستمرار إنه الوعي الدائم القابل لامتلاك المعرفة المتغيرة وفق طبيعة المهام والأعمال العلاقات القائمة في إطار الوجود الإنساني .
فالمجتمعات الإنسانية عبر تاريخها الطويل قائمة على الامتلاك والسيطرة وحب القهر والعدوان يقصد الإشباع المستمر لرغباتها الأنانية وتحقيق الامتياز والفوقية ، مما يجعل الواقع قائماً على علاقات غير متكافئة وغير طبيعية تجعل وضع المجتمعات الإنسانية قائمة على الخطأ الناتج عن تناول موضوع استمراريتها ، ومعالجة جميع أسبابه لتحقيق الحلول المناسبة ، ومعالجة جميع القضايا الإنسانية بشكل تام وجذري والأخطاء المستمرة ناتجة عن علاقة الإنسان بالطبيعة ، وعلاقة الإنسان مع أخيه الإنسان وعلاقة الإنسان الداخلية مع ذاته وكيانه الخاص ، فلم يتمكنوا بعد من التحديد الدقيق لأساس المشكلة والطريقة الصحيحة لكيفية حلها جذرياً لأنهم اعتمدوا في سلوكهم الناحتين التاليتين :
أولاً: تكريس مشكلة الصراع وزيادة تعقيدها ، نظراً للتركيز عليها في وسائل السيطرة الفوقية القائمة على حكم الناس وإخضاعهم ، وتدعيم التشويه الداخلي للإنسان بتعميق الأنانية الفردية وحب الامتلاك والمنافسة الدائمة لإبادة بعضهم البعض عن طريق احتكار وسائل العيش لدى قسم من البشر وإبقاء القسم الآخر دون أي شيء يحقق من خلاله تأمين حاجاته الذاتية والضرورية بينما القسم الآخر حصلوا على إمكانية إشباع أنانياتهم، ودخلوا الانحراف والإسراف حتى الغرق في الملذات ومنعوا ذالك عن غيرهم ، ولاحقوهم وأبادوا المتمردين منهم باستخدام كافة أساليب القهر والقمع لضبط الناس وإخضاعهم بشكلٍ يفقدهم الإبداع والإرادة.
ثانياً: اتخاذ المقاومة شكلاً عاماً ووحيداً عبر مسيرة النضال العام للإنسانية، وإتباع نفس الأسلوب في امتلاك وسائل القمع، ومحاولة فرض الضوابط والحلول بشكل اجتماعي متفاوت وغير متكامل في النهج والتطبيق، مما أدّى إلى خلق التباينات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية . أما ما يخصّ الظاهرة العقلية والفكرية فقد استمروا في إبقاء التشويه الداخلي القائم في الفكر المكتسب من التاريخ القائم على الملكية الخاصة وقوانينها المنحرفة ، وبقاء هذه القوانين تلعب دورها الخفي في عملية حرف الإنسان عن طبيعته، وإبقائه عرضة للوهم والوجل والاستسلام للمفاهيم الغيبية والخرافية ، واعتماده على هذه المفاهيم في تفسير كافة الأفعال والظواهر الإنسانية والطبيعية ، مما أدى إلى فصل الإنسان عن طبيعته، وأصبح خائراً منهكاً ، عاجزاً مستسلماً للقوى الغيبية ،لاعتقاده بأنها هي التي توجه سلوكه ومعارفه ، وهي القادرة عل تنظيم الحياة ، وتحقيق السعادة في الحياة الإنسانية الأرضية أو ما بعدها.
فالواقع الحياتي يتطلب حلولاً لمعرفة الظواهر والملابسات المحيطة بالمشكلة ، والحلول العامة لا تعطي إلا أساليب عامة سطحية وقليلة الفائدة، وإمكانية تحقيق الحلول الدائمة تحتاج لوقت طويل ، فهل ينتظر الإنسان ليرى بأن التعاقبية الطويلة للأجيال ، وحدها القادرة على تحقيق السيادة والطبيعية ، وتجاوز تاريخ السلبية المشكلة من تناوب العصور التاريخية . ؟
الحقيقة يجب أن لا تتضمن الانتظار الطويل للحصول عليها ، فالإنسان قادر وعنيد وعنده من الإمكانات ما يجعله يعيش الحقيقة الطبيعية بكافة أشكالها ، شريطة أن ينطلق من القواعد الأساسية الصحيحة ، ليصبح قادراً على تجاوز الحياة السلبية والأخطاء الناتجة عن الوهم والخوف ، عليه بالدرجة الأساسية أن يكون قادراً على تجديد نفسه وتغييرها بشكل تام وشامل ، دون أن تخلق لديه ذرة ندم واحدة لترك وتجاوز أي سلبية مكتسبة تؤدي إلى إظهار الإعاقة النفسية والحياتية بصورة تمنعه من ممارسة حيويته وحقه الطبيعي في الحياة ، عليه أن يمتلك القدرة الدائمة لتجاوز نفسه بنفسه ومن أجل نفسه موجهاً كيانه الذاتي نحو الوضوح التام والمسؤولية الكاملة تجاه الآخرين وعن الآخرين ومع الآخرين.
هذه القدرة الإبداعية يجب أن تترافق مع الحب والتجديد والمسؤولية ، وعلى الإنسان أن يمتلك القدرة الديناميكية القادرة على جعل الإنسان إمكانية دائمة لتغيير خطئه بشكل مستمر بدون تكلف ولا ندم ، وتكون قادرة على نقله بعيداً عن حياة التشوّه والتناقض الناشئ عن الصراع الداخلي القائم على الموازنة بين القيم ، عندها يصبح الإنسان متوحداً في كينونته فكراً وممارسةً، وتصبح الحياة صيغة متماثلة ومندمجة في وجوده، ويظهر الفعل الإنساني وكأنه نابع من جوهريّة الحياة الإنسانية ، ويجعل الإنسان قادراً على إعطاء جميع مظاهر الأعمال التي يسعى لتحقيقها ، والأعمال التي يقوم بتنفيذها ، وجميع أنواع السلوك والعلاقات صيغة قائمة على التوافق بين الإنسان ونفسه من جهة وبين الإنسان والإنسان من جهة ثانية وبين الإنسان والطبيعة من جهة ثالثة ، ويصبح الإنسان ميالاً لتحقيق السعادة لا في حياته وحسب ، بل في حياة الآخرين كذلك، وهذا ما يعطي الحياة صورة مشرقة ومعبرة عن الهوية الإنسانية الحقيقية.

ليست هناك تعليقات: